تادلة.. من مدينة التاريخ إلى بؤرة التلوث: خطر المطرح الجماعي يهدد الحياة

تادلة.. من مدينة التاريخ إلى بؤرة التلوث: خطر المطرح الجماعي يهدد الحياة

كشفت موجة الحر الأخيرة عن كارثة بيئية صامتة تتربص بمدينة قصبة تادلة من الجهة الشرقية، حيث اندلعت حرائق مهولة بالمطرح المشترك لجماعات الدير، القابع في قلب المجال الحضري للمدينة. هذه النيران لم تكن سوى نتيجة لتفاعلات فيزيائية وكيميائية تحدث عادة في مطارح النفايات الغنية بالمخلفات العضوية والبشرية والحيوانية، إذ يؤدي تخمر وتحلل هذه المواد إلى إنتاج غازات قابلة للاشتعال، أبرزها الميثان والهيدروكربونات.

المثير في القضية أنّ هذا المطرح البئيس كان قبل فترة قصيرة محط زيارة لجنة رسمية رفيعة المستوى، يتقدمها السيد الوالي إلى جانب برلمانيين ومسؤولين جهويين وإقليميين ورؤساء الجماعات. الزيارة التي بدت حينها وكأنها تدشين لمشروع أو إعطاء انطلاقة لبرنامج تأهيلي، لم تسفر عن أي تحسن، بل تحولت هذه النقطة السوداء إلى خطر بيئي قاتل يهدد حياة آلاف المواطنين.

السؤال الذي يطرحه الشارع التادلي اليوم: ما الذي دُشّن بالضبط في ذلك المطرح حتى يصبح اليوم قنبلة موقوتة تحاصر الساكنة بالدخان والغازات السامة؟ وهل نصيب هذه المدينة العريقة من التنمية يتمثل في استقبال قمامة الجماعات المجاورة على أرضها الحضرية؟

تصريحات مواطنين من الأحياء المجاورة للمطرح تؤكد أن الوضع جد خطير، حيث عانت شريحة واسعة من الساكنة من ضيق التنفس وحالات اختناق وتسمم بسبب الغازات والروائح الكريهة. في المقابل، دقّ ناشطون بيئيون حقوقيون ناقوس الخطر، محذرين من حصار خانق يطوق المدينة: شرقًا بالمطرح الجماعي، وغربًا بمحطة معالجة المياه العادمة، ناهيك عن جريمة بيئية أخرى تمثلت في تجفيف نهر أم الربيع بشكل كامل على مستوى المقطع الذي يمر وسط المدينة.

هكذا تحولت تادلة إلى مدينة متعددة مصادر التلوث، بلا دورة مائية طبيعية، في وقت تعاني فيه من الكساد الاقتصادي، البطالة، والفقر والهشاشة، لتصبح مكانًا لتصريف النفايات بدلًا من أن تكون فضاءً للتنمية.

إلى متى سنظل نكتفي بالحلول الترقيعية؟ و لماذا تغضّ السلطات الجهوية والإقليمية الطرف عن إمكانيات إنشاء مراكز حديثة لتجميع النفايات وتدويرها وفق المعايير البيئية؟ ألا يدرك المسؤولون أن الكثافة السكانية في تزايد، وأن استمرار هذا الوضع يعني تهديدًا مباشرًا للفرشات المائية وانتشار الأوبئة؟

المواثيق الدولية والالتزامات البيئية تحرّم إقامة مطارح داخل المحيطات الحضرية أو بجوارها، لما لذلك من مخاطر على الصحة العامة والتوازن البيئي. لكن الواقع يكشف عن غياب إرادة حقيقية للتغيير، واستمرار سياسة التهميش في حق مدينة تادلة، التي لم تنل من التنمية سوى غبار النفايات ورائحة الموت.

الخلاصة تادلة اليوم أمام مفترق طرق: إما التحرك العاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أو الاستسلام لواقع مدينة تحولت إلى مكبّ نفايات مفتوح على الكارثة.

Read Previous

موسم بوعبيد الشرقي بأبي الجعد من 3الى7 / 2025

Read Next

ساكنة خريبكة تحتج على زيادات سيارات الأجرة وتطالب باعتماد العداد:

Leave a Reply

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *