
خريبكة… بين خطاب الملك وصوت الكفاءات الصامتة
كنت أحاول تحرير مقال من أجل تقديم وجهة نظري حول
أنسب نموذج يمكن أن يخدم مسار التنمية بمدينة خريبكة، خاصة بعد أن أثار جلالة الملك في خطابه الأخير بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش أربعة محاور كبرى لتسريع التنمية الترابية.
ولأجل أن تكون رؤيتي مؤسسة، عدتُ إلى بعض الخطب السابقة لجلالته، محاولًا تحليلها بعمق واستخلاص الدروس. وهناك، وقعت على مفاجأة جميلة: كتاب رائع مكتوب بلغة عربية أنيقة، يحلل خطب جلالته بأسلوب مؤثر وعميق.
قبل أن أتكلم عن المؤلف، أود أن أقف عند مؤلفه.
فقد أصدر الباحث في خطاب اللسانيات ولسانيات الخطاب، ياسين ازريعة، الطبعة الثانية من كتابه:
«بلاغة الإيجاز وفصاحة الإنجاز كسمات لسانية ذات أولوية في الخطب الملكية المولوية».
كتاب ضخم (822 صفحة) بلغة عربية راقية، يُحلّل بعمق الخطاب الملكي الممتد لأكثر من ربع قرن. عملٌ علمي يجمع بين الدقة الأكاديمية واللمسة الأدبية، يقدّم للقارئ قراءة جديدة في الاستراتيجيات الخطابية لجلالة الملك، ويكشف عن خصوصية الخطاب الملكي مقارنة بالخطاب السياسي الشعبوي.
ما يميز هذا الكتاب ليس فقط قيمته البحثية، بل أيضًا شخصية مؤلفه.
فعلاوة على كونه باحثًا في اللسانيات ولسانيات الخطاب، فهو لا يكتب من برج أكاديمي بعيد، بل من قلب الميدان، حيث يمارس مسؤولياته اليومية كرجل سلطة. يجمع في آن واحد بين التدبير العملي والتفكير العلمي العميق، في نموذج نادر يجسد التقاء المعرفة بالفعل.
والأجمل أن هذا الباحث المبدع ليس غريبًا عن خريبكة… بل هو ابن أبي الجعد، ويشغل اليوم منصب باشا بمدينة خريبكة. كفاءة محلية بصمت مسارها بالتفوق.
سألت عنه أكثر، فوجدت أن كل من يعرفه يشهد له بالتواضع، بالجدية، وبالاستقامة. رجل كفء، كان الأول في دفعته، وحظي بشرف الاستقبال بين يدي جلالة الملك. كفاءة محلية تشرّف خريبكة والمغرب.
ورغم ذلك، فقد تم تهميش هذه الكفاءة مثل غيرها من الكفاءات، خلال الولاية الأخيرة للسلطة المحلية. سبع سنوات عجاف مرّت على خريبكة لم تعرف خلالها أي مشروع مهيكل، ولا حل لأزمة الماء، ولا حتى بصيص أمل حقيقي. سبع سنوات ضاع فيها الزمن وضاعت معها كفاءات كان يمكن أن تصنع الفرق، ومن بينها السيد ياسين ازريعة.
ومع كل ذلك، يبقى الأمل حاضرًا.
خريبكة ليست فقيرة… خريبكة غنية بأبنائها وبناتها، بكفاءاتها الصامتة التي تنتظر فقط من يمنحها الفرصة والإنصاف.
ومن هنا، أجد نفسي أكثر إصرارًا على تقديم وجهة نظري حول النموذج الأمثل لتنمية خريبكة، مستلهمًا من الخطب الملكية، ومؤمنًا أن هذه الأرض قادرة أن تعود لتكون نموذجًا في العدالة المجالية والتنمية المتوازنة.
إبن خريبكة و إبن « العطاشة »

